مفهوم الذات في الفلسفة هو موضوع عميق ومعقد يتناول دراسة الإنسان وهويته ووعيه. يطرح الفلاسفة عبر العصور تساؤلات حول ماهية الذات وما الذي يجعل كل فرد فريداً من نوعه. يعتبر مفهوم الذات أحد الأسس التي بنيت عليها الفلسفات المختلفة، بدءاً من الفلسفة اليونانية القديمة وحتى الفلسفات المعاصرة.
في الفلسفة، يُعرّف مفهوم الذات عادةً بأنه مجموعة من الخصائص والسمات التي تميز الفرد عن الآخرين. يشمل هذا التعريف جوانب متعددة، مثل الشخصية والهوية والتجارب الذاتية. تناولت العديد من المدارس الفكرية قضية الذات، وقدمت تعاريفاً وتحليلات متنوعة بناءً على رؤاها الخاصة للعالم والوجود.
على سبيل المثال، يرى سقراط أن الذات هي جوهر الإنسان وروحه، وهي ما يميز الفرد عن الآخرين. بينما تختلف هذه الرؤية في الفلسفة الكونفوشية التي تربط بين الأفكار الداخلية للفرد وفضائله الخارجية كتشخيص للذات.
تُعد دراسة مفهوم الذات ضرورية لفهم العديد من القضايا الفلسفية الأخرى مثل الوعي، العقل، الأخلاق، والهوية. يتناول هذا المقال أهمية مفهوم الذات في تاريخ الفلسفة ويستعرض التطورات الرئيسية التي مر بها هذا المفهوم. كما سنتطرق إلى كيفية تناوله في الفلسفات الغربية والشرقية المختلفة، بالإضافة إلى دور الذات في الأخلاق والمسؤولية.
فهم الذات ليس مهماً فقط للفلاسفة، بل للمجتمع بشكل عام. يوفر هذا الموضوع أبعاداً جديدة لفهم كيفية تفاعل الأفراد داخل مجتمعاتهم وأثر هذا التفاعل على البناء الاجتماعي والنمو الشخصي. لذا فإن دراسة مفهوم الذات تظل محوراً أساسياً في الفلسفة عبر العصور.
تعريف مفهوم الذات في الفلسفة
مفهوم الذات في الفلسفة يعبر عن التصوّر الشخصي للفرد لنفسه وتعريفه لهويته وجوده. يعتبر مفهوم الذات مكوناً أساسياً في دراسة الفلسفة ويتناول عدة جوانب داخل المجال الفلسفي. يمكن تعريف الذات على أنها مجموعة من القدرات والمؤهلات النفسية التي تجعل كل فرد فريدًا من نوعه، وتؤثر في تصرفاته واتجاهاته.
ترتبط مفاهيم الذات بالشخصية والهوية، إذ يشير المصطلح إلى العناصر الأساسية التي تمثل هوية الإنسان وتحدد من هو وما يقدمه في المجتمع. يتشكل مفهوم الذات من خلال نظرة الشخص لذاته وما يعتبره أهم مزاياه وقدراته وقيمه الشخصية.
يعزز مفهوم الذات أيضًا فهم الإنسان لنفسه ووعيه الذاتي، حيث يساهم في فهم العقل وتجارب الحياة والعلاقات الاجتماعية. يعد مفهوم الذات أحد الموضوعات المركزية في الفلسفة، إذ يسعى الفلاسفة إلى فهم طبيعة الإنسان وعالمه الداخلي.
تناولت المدارس الفلسفية المختلفة مفهوم الذات بأساليب مختلفة وأقدمت على تحليلات مختلفة لطبيعة الذات. فمن نظرة تصور من الذات كجزء من الشخصية، يرى آخرون أنه جوهر الإنسان وروحه. بصفة عامة، يتشكل مفهوم الذات بواسطة الطرق والعلاقات التي يعيشها الإنسان في حياته.
تاريخ تطور مفهوم الذات في الفلسفة
تاريخ تطور مفهوم الذات في الفلسفة يمتد لآلاف السنين ويعود إلى الفلاسفة القديمة. بدأ الاهتمام بمفهوم الذات في الفلسفة اليونانية، حيث اعتبر سقراط الذات جوهر الوجود وأساس الكون. ومع أفلاطون، تطورت نظرية المعرفة وأصبحت الذات هي التي تحكم وتوجه المعرفة. في فلسفة أرسطو، ركزت الذات على التحقق من الدوافع والأهداف الشخصية للفرد.
ومع تطور الفلسفة المسيحية، تغير اهتمام مفهوم الذات إلى التركيز على المُبادئ الدينية والأخلاقية. في هذا السياق، ظهرت فلسفة آوغسطين التي ركزت على تحقيق النجاة والقرب من الله من خلال المعرفة الذاتية.
ثم جاءت فلسفة النهضة والإنسانية في القرون الوسطى، حيث ركزت على أهمية الفرد وتفرده وحريته. تطورت تلك الفكرة في العصور الحديثة مع فلاسفة مثل ديكارت وكانت، الذين ركزوا على الوعي والاستنتاج الذاتي وعقلية “أفكن أنه أنا” ليصلوا إلى الاستدلال على وجود الذات.
وفي العصر المعاصر، تأثر مفهوم الذات بتيارات الفلسفة المختلفة مثل الوجودية والتاريخية. تطورت فلسفة التحليل في القرن العشرين، التي تركزت على التحليل النقدي للكلمات والجمل لفهم المعاني الدقيقة للذات.
بصفة عامة، يُعد تاريخ تطور مفهوم الذات في الفلسفة عملية استدامة تطورت مع مرور الزمن وتأثرت بالثقافة والتوجهات الفكرية المختلفة.
الذات في الفلسفة الغربية مقابل الفلسفة الشرقية
مقابلة الذات في الفلسفة الغربية والشرقية تعكس فروقاً كبيرة في التفكير والنهج. في الفلسفة الغربية ، يتم التركيز على الفرد ووجوده الفردي. يعتُبر الفرد في الفلسفة الغربية مختلفاً عن الآخرين ومستقلاً ، حيث يحمل صلاحياته وحقوقه الشخصية. وتتمحور الذات في هذه المنظورات حول الوعي بالذات ومنفعتها واكتشاف أهدافها الشخصية.
أما في الفلسفة الشرقية ، فإن المنظور يتمحور حول الانصهار مع الكون والوحدة مع العالم. ينطلق أساسًا من قدرة الفرد على تجاوز الذات والانصهار مع اللاشيء. تركز الشرقية على فهم الذات والتحكم في رغبات النفس والوصول إلى السلام الداخلي.
يمكن ملاحظة بعض التشابهات أيضًا، فكلا النهجين يسعيان لفهم الذات والوصول إلى الحقيقة وحالة التناغم مع العالم. ومع ذلك ، فإن التفاوتات في النهج والتركيز تخلق فروقًا في فهم الذات والهدف من وجودها.
تُعد هذه الاختلافات بين الفلسفة الغربية والشرقية في علاقتهما بمفهوم الذات جزءًا من التنوع الثقافي والفكري للبشرية. يمكن أن تقدم كل فلسفة نظرة مختلفة على مفهوم الذات وتساعد في توسيع نطاق التفكير والفهم.
دور الذات في الفلسفة الوجودية
تُعتبر الذات دورًا مهمًا في الفلسفة الوجودية، حيث تركز هذه الفلسفة على دراسة وجود الإنسان ومعاناته. وفي سياقها، تلعب الذات دورًا حاسمًا في فهم وتجربة الوجود. تركز الفلسفة الوجودية على مفهوم الحرية والمسؤولية الفردية، وهذا يتطلب قدرًا كبيرًا من الوعي بالذات وتعبيرها عن نفسها.
تؤمن الفلسفة الوجودية بأن الذات هي المسؤولة عن تصميم حياتها واتخاذ القرارات المهمة. وتحث على أن يتحمل الفرد مسؤولية حريته وأفعاله، وعليه أن يبدأ رحلة البحث عن معنى الحياة وغايتها. وبفضل قدرتها على التأمل في ذاتها وتحليل تصرفاتها، تقود الذات الوجودية إلى فهم أعمق لذاتها وهدفها في الحياة.
تعتبر الذات وجودًا متكاملًا ومستمرًا في الفلسفة الوجودية. إنها تمثل الجوهر الحقيقي للفرد، وتشكل هويته الفريدة. ومن خلال استكشاف وتحليل عناصر ذاته، يسعى الفرد إلى تحقيق حالة من التناغم والسلام الداخلي.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم الذات في فلسفة الوجودية في تعزيز الوعي بالوجود وكشف الحقائق المخفية. حيث يُعْتَقَد أن الوعي بالذات يُمكِن الفرد من تحقيق درجة عالية من الوعي بأساس الحياة وجوانبها المختلفة.
بشكل عام، يمكن القول أن الذات لها دور حاسم في فلسفة الوجودية من خلال تمكين الفرد من التصور لحياته وتأثيره على الآخرين والعالم من حوله. تُعْتَبَر الذات حجر الزاوية لتفهم الوجود وتحقيق الحرية والتوازن الداخلي.
الذات والعقل: كيف يفسر الفلاسفة العلاقة بينهما
تعتبر الذات والعقل عنصرين أساسيين في الفلسفة، ويهتم الفلاسفة بدراسة العلاقة بينهما. يعتقد بعض الفلاسفة أن الذات هي أساس العقل والوعي، حيث تعبر الذات عن الوجود الأصلي للفرد وجوهره الفريد. تؤكد بعض التيارات الفلسفية على صلة وطيدة بين الذات والعقل، مع اعتبارهما جوانب متكاملة من وجود الإنسان.
ترى بعض المدارس الفلسفية أن العقل ينبثق من الذات وهو نوع من التفكير والوعي الذاتي. يعتبر ارتباط الذات بالعقل عملية متبادلة، حيث يؤثر كل منهما على الآخر. تركز بعض الفلاسفة على دراسة آلية عمل العقل وكيفية تشكيله للذات، مثل فلاسفة التفكير المعماري.
من جانب آخر، يشدد بعض الفلاسفة على الفروق بين الذات والعقل، مع اعتبار كل منهما وجوهًا منفصلة في وجود الإنسان. على سبيل المثال، يرى بعض الفلاسفة النفسيين أن العقل هو جزء من الذات، لكنه ليس الذات نفسها. وتشدد بعض المدارس الفكرية على أهمية توازن الذات والعقل، وتحقيق التناغم بينهما في سعي الإنسان للوعي والكمال.
بشكل عام، تؤكد الفلسفة على العلاقة المرتبطة والتأثير المتبادل بين الذات والعقل. حيث يعتبر العقل وسيلة للذات لفهم نفسها والعالم من حولها، في حين تكون الذات المصدر الأصلي للعقل والقدرة على التفكير والتوجه.
تأثير مفهوم الذات على الأخلاق والمسؤولية
تؤثر مفهوم الذات بشكل كبير على الأخلاق والمسؤولية في حياة الإنسان. فعندما يكون لديه تصور واضح وإدراك صحيح لنفسه وهويته، يصبح لديه قدرة أكبر على فهم قيم وأخلاقية توجه سلوكه وقراراته. يؤثر اعتراف الفرد بأهمية وجوده الذاتي على قدرته على التفكير النقدي وتحليل الأخلاق والمسؤولية.
فعندما يفهم الإنسان طبيعة ذاته وقيمه، يصبح على دراية بأثر أفعاله وتأثيرها على غيره وعلى بيئته المحيطة. يشعر بالمسؤولية تجاه تصرفاته وقراراته ويكون على استعداد لتحمل تبعاتها. يسعى لاتخاذ الخيارات الأخلاقية الصائبة والقيام بالأعمال الصالحة، تستند إلى القيم الأخلاقية التي يؤمن بها.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر مفهوم الذات على قدرة الإنسان على تحمل المسؤولية وأداء الواجبات الاجتماعية. عندما يعتبر الشخص أنه جزء لا يتجزأ من المجتمع وأن تصرفاته تؤثر على الآخرين، سيكون أكثر حرصًا وحذرًا في سلوكه وقراراته لضمان عدم إلحاق الأذى بالآخرين أو مخالفة القواعد الأخلاقية والاجتماعية.
بالتالي، فإن تفهم الذات ووعي الإنسان بقيمه ومسؤولياته يساهم في تطور نظام أخلاقي قوي ومستدام في المجتمع. وبما أن المفهوم الفلسفي للذات يتطور ويتغير مع مرور الوقت، فإن الاهتمام بدراسة مفهوم الذات يساهم في تعزيز الأخلاق ورفع مستوى المسؤولية في المجتمع.
الذات والهوية: استكشاف الفروقات والتشابهات
يُعَدُّ استكشاف الفروقات والتشابهات بين الذات والهوية مهمًا في فهم مفهوم الذات في الفلسفة. ففي حين يُعتبر الهوية تشكيلة من العوامل الاجتماعية والثقافية التي تحدد هوية الفرد وتميزه عن الآخرين، تعتبر الذات مجموعة من المعتقدات والقيم الشخصية التي يراوح بينها الفرد.
تحدد الهوية وتشكلها عوامل مثل العرق والجنس والدين والثقافة، بينما تُشكِّلَ الذات عوامل مثل التجارب الشخصية والقيم والمعتقدات. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، فإنه يمكن أن يكون للذات والهوية ارتباط وثيق، حيث يؤثر كل منهما على صورة الفرد عن نفسه وعلى تصرفاته.
عند استكشاف الفروقات والتشابهات بين الذات والهوية، يُمكِن توضيح استقلالية الذات عن العوامل الخارجية والقدرة على اتخاذ القرارات المستقلة. بينما يلعب دور الهوية في تشكيل أفكار الفرد وقناعاته وسلوكه، وهو يعبِّر عن مكانة الفرد في مجتمعه.
باختلاف الثقافات والبيئات، قد تختلف تصورات الذات والهوية وتوضعتها. قد تكون مفاهيم الذات والهوية ثابتة لبعض الأشخاص، بينما تخضع للتغيير والتطور لدى آخرين.
فهم الفروق والتشابه بين الذات والهوية يساعد في فهم تعقيد الطبيعة البشرية والعلاقة بينها. إن فهم هذه العلاقة يساعد الفرد على بناء هوية قوية وثابتة، وتحقيق توازن بين شخصيته وبيئته المحيطة.
مفهوم الذات عند ديكارت وكوجيتو
مفهوم الذات عند ديكارت وكوجيتو يتمحور حول الوعي والتفكير. بحسب ديكارت، الذات هي الكيان الواعي الذي يمارس التفكير، حيث أن الأفكار ليست مباشرة في الوعي ولكنها من نتاج الذات التي تفكر وتنشط بالعقل. يعزى لفكرة “أنا أفكر ، إذًا أنا موجود” قيمة فلسفية كونية بحتة، حيث يتعلق الأمر بالوعي بالذات والتواجد المستمر لهذه الذات.
بالنسبة لفلسفة كوجيتو، يقدم نظرة مشابهة. يؤكد كوجيتو على أن الذات هي تلك الكيان القادر على التفكير والوعي بالذات. يروج كوجيتو لأهمية التفكير والشك في وجود الذات لتحديد حقيقتها ووجودها بطريقة مستنيرة. تتجلى الذات عند كوجيتو من خلال شعورنا الواعي بوجودنا وحضورنا الدائم في عالم الأفكار والتفكير.
بشكل عام، يركز ديكارت وكوجيتو على الإدراك الذاتي والوعي بالذات كمفهوم أساسي. يعتبران الوعي بالذات والقدرة على التفكير كمرجعية للتأكيد على وجودنا وحقيقتنا كأفراد. يعززان قوة العقل كأداة فلسفية محورية في فهم الذات وواقعها.
الذات والوعي: دراسة الفلسفات المختلفة
تدرس الفلسفات المختلفة علاقة الذات بالوعي من منظورات متعددة. تعتبر الفلسفة الوجودية، على سبيل المثال، أحد الفلسفات التي ترى الذات والوعي كمفهومين لا يمكن الفصل بينهما. تركز الفلسفة الوجودية على البحث عن الهوية والمعنى في الحياة، وترى أن الذات والوعي يشكلان جوهر وجود الإنسان.
من ناحية أخرى، تنظر بعض الفلسفات إلى الذات والوعي على أنهما حقائق فردية ومنفصلة عن بعضهما البعض. تؤكد هذه الفلسفات على أهمية قدرة الذات على التفكير والتحليل دون أن تتأثر بالعناصر الخارجية. وتقدم أيضًا بعض القوانين والمبادئ التي يجب على المرء اتباعها لتحقيق تطور الذات والوعي.
تشير بعض الفلسفات الروحية إلى أن الذات والوعي هما جزء من وجود أعمق وعلوي. تركز هذه الفلسفات على الروحانية والطبيعة الداخلية للإنسان، وتزعم أنه يمكن للوعي أن يتوسع ليشمل جوانب أعمق من الذات.
بصفة عامة، توضح دراسة الفلسفات المختلفة للذات والوعي التنوع الكبير في المفاهيم والنظريات المتعلقة بالموضوع. فكل فلسفة لديها رؤية فريدة ومبتكرة حول طبيعة الذات والوعي، مما يساهم في إثراء فهمنا لهاتين الكيانين المعقدين.
تأثير الفلسفة اليونانية على فهم الذات
تأثر فهم الذات بشكل كبير بالفلسفة اليونانية، حيث قدمت هذه الفلسفة العديد من المفاهيم والنظريات التي أثرت في تطور وتشكل مفهوم الذات. ففي فلسفة اليونان القديمة، كانوا يعتقدون أن الذات هي الجوهر الروحي للإنسان والتي تعبر عن أعلى مستوى من الوعي والتفكير. وكان التركيز في هذه الفلسفة على تحقيق التوازن والنضج الروحي للذات.
أحد أهم الفلاسفة الذين أثروا في فهم الذات في الفلسفة اليونانية هو أرسطو. يؤمن أرسطو بأن الذات تتكون من جملة من الصفات والقدرات التي تميز كل إنسان عن غيره. يعتبر أرسطو أن العقل والتفكير هما ما يجعلان الإنسان ذات قيمة، ويشدد على ضرورة التوازن بين العقل والروح والجسد لتحقيق الكمال الذاتي.
بالإضافة إلى أرسطو، كانت لأفلاطون أيضًا تأثير كبير على فهم الذات في الفلسفة اليونانية. يرى أفلاطون أن هناك جانبًا روحيًا للذات يعتبر الواقع الحقيقي وأن الحياة الشخصية للإنسان هي مجرد نسخة غير مثالية عن هذا الجانب الروحي. كما يرى أفلاطون أن التطور الروحي للإنسان يعتمد على قدرته على ممارسة التفكير النقدي والانفتاح على المعرفة والحقيقة.
بهذه الطرق، تأثر فهم الذات في الفلسفة بأفكار ومفاهيم الفلاسفة اليونانية، وساهمت تلك الأفكار في تشكيل وتحديد مفهوم الذات كما نعرفه اليوم.
نقد مفهوم الذات في الفلسفة الحديثة
في الفلسفة الحديثة، تعرض مفهوم الذات للعديد من الانتقادات والنقد. يرى بعض الفلاسفة أن مفهوم الذات يعتمد على افتراضات غير مثبتة وغير قابلة للبرهان. على سبيل المثال، يرى المغربي عبد الرحمن الخوارزمي أن الذات لا يمكن تصورها ككيان واحد وثابت بل إنها تتغير وتتطور مع مرور الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، ينتقد بعض الفلاسفة فكرة الذات المركزية التي تعتبر الإنسان محورًا للوجود. يرون أن هذا المركزية قد تؤدي إلى تفريط في حقوق الآخرين وتجاهلهم. بدلاً من ذلك، يقترحون تبني منظور تشاركي يركز على العلاقات بين الأفراد وأهمية تعاونهم وتعاطفهم.
علاوة على ذلك، يشدد بعض الفلاسفة على أن الذات ليست كيانًا منفصلا عن العالم الخارجي، بل ترتبط بشكل وثيق بالبيئة والمجتمع المحيط بها. وبناءً على ذلك، يعتبر هؤلاء الفلاسفة أنه لا يمكن فهم الذات بشكل مستقل عن سياقها الاجتماعي والثقافي.
ومن النقاط الأخرى التي تطرحها الفلسفة الحديثة حول مفهوم الذات هو التأكيد على التعددية والتنوع. يرى العديد من الفلاسفة أهمية اعتراف بوجود ذوات متعددة داخل الإنسان، تتأثر بالخبرات والثقافة والظروف المحيطة بها.
بهذه الطرق، يقدم النقد في الفلسفة الحديثة وجهات نظر مختلفة تجاه مفهوم الذات، ويسعى لإلقاء الضوء على جوانب محددة قد تحتاج إلى إعادة التفكير والتحليل.
الفلسفة النسوية ومفهوم الذات
تسعى الفلسفة النسوية إلى إعادة تقييم مفهوم الذات بناءً على منظور جندري. تركز هذه الفلسفة على تحليل العلاقة بين الجنس والسلطة والهوية، وتكشف عن التحيزات والاختلالات القائمة في المجتمعات التقليدية. فهي تعتبر أن مفاهيم الذكورة والأنوثة قد تم تشكيلها بواسطة التحيزات والقوانين والإنصاف المائل في صالح الرجال.
ومن خلال التركيز على قضايا المساواة والعدالة الجندرية، تهدف الفلسفة النسوية إلى إعادة تشكيل مفهوم الذات بحيث يتمثل في التحرر من أواصر الديكتاتورية والقيود المفروضة على النساء. تشجع هذه الفلسفة النساء على استكشاف هويتهن بصورة مستقلة وبدون حاجة للاعتماد على المرجعية القائمة.
ويتعلق مفهوم الذات في الفلسفة النسوية بالقدرة على اتخاذ القرارات الخاصة بالنساء بحرية واستقلالية، وفهم حقوقهن وكرامتهن كأفراد مستقلين في المجتمع. إنه يشجع النساء على تحقيق توازن صحيح بين حاجاتهم الشخصية ومتطلبات المجتمع، مع التركيز على العدالة والمساواة.
بشكل عام، فإن الفلسفة النسوية تعتبر أن المرأة ليست جنسًا ثانويًا أو مكملًا للرجل، بل هي كيان مستقل يستحق التعرف والاحترام. إنها تطالب بتغييرات في المجتمع لتحقيق المساواة والعدالة الجندرية، وبالتالي إعادة تشكيل مفهوم الذات وإضفاء قدر أكبر من الحرية والاختيار على النساء.
الذات في فلسفة الظاهراتية
تعمل الفلسفة الظاهرانية على استكشاف مفهوم الذات وعلاقتها بالعالم الخارجي. تعتبر هذه الفلسفة أن الذات ليست كيانًا مستقلاً بحد ذاته، بل تتأثر بالعوامل الخارجية والظروف المحيطة بها. تشدد الفلسفة الظاهرانية على أن الذات لا يمكن فصلها عن العوالم الأخرى التي تعيش فيها، بل إنها تشكل جزءًا من شبكة مترابطة من العلاقات والتفاعلات.
تؤكد الفلسفة الظاهرانية على أهمية دراسة الظواهر الخارجية وتأثيرها على تكوين وتطور الذات. فعلى سبيل المثال، فإن التجارب والمعارف التي يكتسبها الإنسان من خلال التواصل مع الآخرين والتفاعل مع بيئته يؤثرون في تشكيل هوية ومفهوم الذات.
تعتبر الفلسفة الظاهرانية أن الذات تتطور وتتغير مع مرور الوقت وتجارب الحياة. فهي ليست كيانًا ثابتًا، بل يمكن أن تتأثر بالتحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية. وبالتالي، فإن فهم الذات يكون من خلال تفاعلاتها مع العالم الخارجي والظواهر المحيطة بها.
تسعى الفلسفة الظاهرانية إلى فهم العلاقة المعقدة بين الذات والظواهر، وكيف يتأثر كل منهما بالآخر. إن فهم هذه العلاقة يفتح المجال لدراسة تفاصيل الذات واستكشاف تأثير العوامل الخارجية على تشكيلها.
العلاقة بين الذات والحرية في الفلسفة
تناقش الفلسفة علاقة الذات بالحرية بشكل واسع وعميق. فالحرية تعتبر من القضايا المركزية في فكر الفلاسفة، حيث يسعون لفهم كيفية تحقيق الحرية الحقيقية للذات. تؤمن بعض المدارس الفلسفية بأن الحرية هي جزء لا يتجزأ من الذات وأنها لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال التواصل الحر والتفاعل الصحي مع العالم المحيط.
تعتبر فلسفة الوجودية من أبرز المدارس التي تهتم بالعلاقة بين الذات والحرية. فبحسب هذه المدرسة، يعتبر الإنسان المسؤول عن تكوين حياته واتخاذ قراراته الحرة، وهو مطالب بتحمل نتائج هذه القرارات. فالذات تكون محصورة بقلب أفعالها ولا يمكن أن تلقى باللاأعمال على غيرها. وفقًا لهذه المدرسة، يمكن للإنسان أن يتحرر من القيود الحياتية وأن يحقق حريته من خلال تحقيق الوعي بالذات ومخاوفه وأهدافه.
ومن جانب آخر، تعتبر الفلسفة الحديثة أن الحرية هي حق أساسي للذات وأنها لا يمكن أن تكون معتمدة على قوانين خارجية أو سيطرة من الآخرين. فالذات هي من تحدد مقدار حريتها وكيفية ممارستها. قد يؤدي تحقيق الحرية الفعلية إلى تغير في الذات نفسها وتشكيلها بما يتناسب مع التحولات المجتمعية والثقافية.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر بعض المدارس الفلسفية أن الذات والحرية تترابطان بشكل قوي، حيث يعتبر تحقيق الحرية هدفًا أساسيًا للذات. فإن قدرة الذات على التصرف والاختيار بحرية تعكس حجم القوة والهيبة التي تتمتع بها.